PopAds.net - The Best Popunder Adnetwork حنان

حنان


 بقلم: أحمد فؤاد الهادي

بيت ريفي عتيق، بناه من بناه بالطوب اللبن، لا تدري متى، فقد ولدت فيه، ولم يكتب لأي من أشقائها الذين ولدوا بعدها الحياة إلا لأيام قليلة وبعدها يرحلون، إلا واحدا، ولد بعدها بخمس سنوات، كان يذوق الذل على يديها حتى بعدما صار شابا وتزوج من ابنة عمه ورزق منها غلاما.


 كانت مصدر كآبة للجميع، لم يعرفها أحد إلا وكرهها، حتى دون أن يتعامل معها، تؤمن بأن الناس إنما خلقوا ليكونوا دونا منها، ومصطفون لخدمتها، لم تعد مريضا ولم تحضر عرسا، وجهها ينضح بالكآبة، ونظراتها سياط تجلد من يقع في مداها.


 لم يغامر أي من أبناء القرية بالتقدم للزواج منها، حتى أخيها تعجل الرحيل، بعد أن وضعت زوجته طفلهما بشهور قليلة، وكانت معاناة زوجته المسكينة مريرة مما تذوقه هي وغلامها على يد تلك الشريرة، حتى لحقت هي الأخرى بزوجها، وغلامها لم يتم السادسة بعد. 


لاحت في الأفق بشائر الصباح، فتمطى الديك ووقف مزهوا بريشه الناعم الملون وعرفه الأحمر الخفاق يعلو رأسه ثم تحرك في خيلائه بخطى راسخة نحو العشة المتهالكة القابعة في ركن السطح القذر، متهيئا لصياح الصباح، وما أن اعتلاها حتى بدا رأس العجوز يطفو على السطح، وهي تدق بكعبيها آخر درجات السلم الحجري العتيق.


 لمحته العجوز فأصابته نظراتها من حيث لا يدري واستلمته الحازوقة، فما صاح ولا ناح، بل اهتز كيانه وانتفض انتفاضات متلاحقة حتى بلغ حافة سقف العشة، وسقط مهلهل الجناحين، جاحظ العينين، مثيرا غبارا كثيفا جعل ريشة أسوأ حالا من السقف بقذارته.


 تعالى صياح الديوك في الجوار، وكأنها تهلل لسقوطه، والعجوز قد كسا وجهها تجهم مخلوط بالغيظ والحنق والقسوة، بينما هرعت الدجاجات بثياب نومهن إلى حيث سقط سبعهن وتبادلن نقاشا حاميا، ولكنهن لم يفعلن شيئا من أجله، ثم توارين وتفرقن عندما اقتربت خطى العجوز منهن وتحجرن جميعا في أماكنهن عندما صوبت إليهن العجوز نظراتها المخيفة، وارتعدت أجسادهن، فكل واحدة منهن تتوقع أن تقبض يد العجوز عليها، ثم تخرج السكين من بين ثنايا ثيابها كالحة السواد، فتقطع رقبتها ثم تلقي بجثتها على الأرض.


وكأن وحيا قد سرى بينهن، فقد تجمعن في نصف دائرة حول الديك المسكين، وأخذن يدفعنه جهة العجوز، التي انحنت فقرقعت عظام ظهرها حتى سمعته الدجاجات رعدا فتفرقن برقا.


قبضت العجوز على رقبة الديك، ورفعته فتدلى في يدها كالخرقة البالية، ثم دست رأسه في مسقاة كانت على مقربة من باب العشة، فشرب المسكين رعبا، وذهبت عنه الحازوقة، فألقت به أرضا، وتلفتت حولها لترى الغلام يقترب وكأنه يتراجع، فلم تأبه به ولم تلن ملامحها، بل دست يدها في ثنايا ثوبها، وأخرجت سكينا برق حده تحت شعاع الشمس الوليد، واستدارت في حركة عسكرية متفحصة كل ما حولها لتبدأ مذبحة الدجاج.


ما أن اصطدمت عيناها بالصغير الذي كان متحجرا على مشارف سلم السطح، حتى انتفض المسكين وارتجف، ولف واستدار وارتعد، وتعثرت قدماه في قدميه، حتى بلغ رأس السلم فلم يميز له رأسا ولا عقبا، ودب بقدمه اليمنى في الفضاء، فسقط على كومة قش في فناء البيت.


انتهت العجوز من ذبح دجاجة قد انقطع بيضها، ثم دست السكين والدماء تقطر منه بين ثيابها، وقبضت بيسراها على رجلي الدجاجة الذبيحة، واتخذت طريقها نحو السلم.


تساقطت خطواتها على الدرجات حتى بلغت الفناء الرحب، فإذا الديك يقف شامخا أمامها وخلفه الصغير يداعبه، وقد علا صياح الديك وتهلل وجه الصبي فرحا بهذا الصياح الذي يعشقه، ولكنه اصطدم بنظرات العجوز تكاد تصهره، فصرخ فزعا: عمتي حنان .... وسقط مغشيا عليه، وكأنه فضل الموت على البقاء.

  


Comments