PopAds.net - The Best Popunder Adnetwork مجرمة

مجرمة

 

مجرمة
مجرمة

مجرمة

بقلم: أحمد فؤاد الهادي

كان اليوم هو الخميس، موعد المؤتمر الذي دعي إليه بالأسكندرية، ورغم قيمة هذه الدعوة وأهميتها ، لم يكن يشعر في داخله بالحماس لحضور هذا المؤتمر، ولكنه لايملك حرية الاعتذار، كان يحلم أن تصحبه لتؤنس طريقه وتطيب إقامته وليظفرا بيومين على شواطئ الأسكندرية بعيدا عن طاحونة العمل التي القته بالقاهرة وقذفت بها إلى أسوان.


هي: امرأة خلقت له، تداخلت دروب حياتها وتقاطعت حتى أصبحت لغزا محيرا لم يحل حتى التقيا، امرأة على فطرتها، لاتجيد المكر ولا الكذب، بل لاتعرفهما مطلقا، تعشقه وتهفو إليه، تفتخر بكل شئ فيه، تفهمه وتحسه تماما كما يعرف نفسه ويحسها.

هو: كآت من صحراء قاحلة قاسية، يعرف قيمة الحياة ولايملكها، وجد عندها كل ماكان على وشك اليأس من الحصول عليه، سكن عالمها وتشبث بأرضها، دعاها للزواج فلم تناقشه، في الموعد تلاقيا وعقدا القران، ذهل المأذون بشخصيتها وتعجب من حبها لهذا الرجل، لاشروط ولا احتياطات، خرجت تحمله فوق رأسها، ومازال قابعا هناك.

شهور ثلاثة قد مضت دون أن يجمعهما لقاء، الأمل لاينقطع أبدا، فهما على يقين أنهما إلى لقاء، فروحه لاتغادرها وروحها لاتغادره.

كانت الساعة تقترب من السابعة والربع صباحا عندما تقدم نحو منفذ التذاكر بمحطة القطارات:

- تذكرتين درجة أولى من فضلك.

- الأسكندرية؟

- نعم، قطار الساعة الثامنة.

نظر إليها في حنان ... احتضنته بعينيها ... ربتت على قلبه بابتسامتها، في استراحة المحطة اشترى لها الشيكولاتة التي تحبها، وضعها أمامها، أحست أنه عطشان، مدت يدها بكوب الماء إلى فيه، أرتوى، قبل اليد التي روته، احتضنت يده بكلتا يديها، انحنت وقبلتها.

لم يعد يرى هؤلاء الذين ملأوا المكان حوله في انتظار القطار، اقترب أحدهم يستأذنه أن يأخذ المقعد الذي يراه أمامه خاليا، رفع رأسة ونظر إليه باستغراب:

- ألا ترى السيدة؟

- عفوا سيدى، لم أرها!

عاد بنظره وقلبه إليها:

- عذرا حبيبتى، أناس لايعرفون الذوق.

أعلنت الشاشة المعلقة أمامه وكذلك إذاعة المحطة عن رحلة قطار الثامنة المتجهة إلى الأسكندرية، فتحت أبواب القطار ودعي المسافرون للركوب، قدمها ومشى خلفها تسبقها ذراعيه بعد أن علق حقيبته على كتفه حتى إذا أدرك الباب زاحمه شاب من الركاب، دفعه برفق:

- ياأخي انتظر حتى تركب السيدة براحتها.

برقت عينا الشاب ولم يفهم شيئا، ولكنه تراجع قليلا وانتظره حتى ركب وصعد خلفه.

المقعدين: الخامس والسادس ، هاهما، أجلسها إلى جوار النافذة حتى تشاهد الطريق، انتظر حتى استقرت في مقعدها، لم تغادر عيناها النظر إلى وجهه، مدت يدها وبرفق أجلسته في مقعده إلى جوارها، أخذت في تعديل هندامه، أعادت تلك الشعيرات البيضاء التي تبعثرت على جبينه إلى مكانها على رأسه، خلعت نظارته ومسحت زجاجتيها برفق ثم برفق أكثر أعادتها إلى عينيه، هو مستسلم كالطفل بين يدي أمه، مستمتع كأهل الجنة.

مر أكثر من ساعتين حتى بلغ القطار محطة سيدي جابر، لم يشعرا ببعد المسافة ولاطول الوقت، إنه الحب كما أراده الله أن يكون بين البشر سببا لكل شئ جميل على الأرض.

- تاكسي .. فندق الرمال الذهبية من فضلك.

فتح لها الباب الخلفي وحملها بعينيه، أجلسها ودس نفسه ملتصقا بها، السائق انتشى وأصابته عدوى السعادة، وضع شريطا ورفع صوت المسجل، صدحت الألحان والكلمات، صوت أم كلثوم غلالة غلفت العاشقين: "الحب كله حبيته فيك .. الحب كله"

في بهو الفندق الذي يتردد عليه دائما، خطا نحو موظف الاستفبال، لم ينتظره الموظف حين رآه، بل هرع إليه فالتقاه في منتصف المسافة، رحب به، حمل عنه حقيبته وتقدمه إلى غرفته التي حجزها منذ يومين، نفس الغرفة التي يقيمان فيها كلما كانوا في الأسكندرية، كل العاملين بالفندق يعرفونه جيدا، يعرفون زوجته التي يقول لهم عنها دائما أنها سر حياته.

انصرف موظف الفندق، حملها لتدخل أمامه، برقة بالغة أجلسها على مقعد وثير، رآها في المرآة الكبيرة التي تكاد تبلغ السقف ارتفاعا، ترنو إليه وترقبه بحنان، أم فرحة بطفلها وقد بدأ يخطو في أنحاء الغرفة، لم ير لنفسه صورة في المرآه، جلس إلى جوارها، احتضنها فذابت في صدره، اقتربت شفتاها من أذنه، همست:

- ياروحي.

أضيئت أنوار الدنيا، طغى جمالها، غردت كل الطيور، حتى البوم والغربان، لهث لسانه شكرا لله، دق هاتفه، تناوله، كشف غطاءه، صورتها تملأ الشاشة، سمعها تهمس في حنان:

- أعشقك .. ليتنى كنت معك.

لثم صورتها على الشاشة، ابتسم وهو يتمتم: مجرمة.

اتصل بخدمة الغرف ... طلب طعاما لشخصين.

الرئيسية       


Comments