PopAds.net - The Best Popunder Adnetwork حكاية فانوس

حكاية فانوس

حكاية فانوس
حكاية فانوس

حكاية فانوس

أمام بيته الذي بناه بنفسه من الطوب اللبن على جانب الطريق الأسفلتي الوحيد بالبلدة، جلس عم توفيق السمكري على رقعة واسعة من الخيش، بجسمه العملاق، وجلبابه الفضفاض، وشعره الكتاني وشاربه الكث، فبدا كتمثال فرعوني مهيب، وقد تناثرت حوله قصاصات من الصفيح الذي برع في تحويله إلى فوانيس بديعة التصميم، مزدانة أسطحها بالزجاج الملون.

أقف على مقربة منه، أتابع أصابعه ويديه، وهو يستولد فوانيسه من تلك الصفائح البالية، ومهما طالت وقفتي، لم أره يوما يرفع عينيه عما بيديه، حتى يضع فانوسا جديدا إلى جوار سابقيه، ولكن بشكل جديد وألوان مختلفة.

قالت أمي ونحن نتعشى: الليلة دي ليلة النص من شعبان، كل سنة وأنتم طيبين.
اختلطت أصواتنا، أنا وأخي، مع صوت أبينا ونحن نبادلها المباركة، وتسللت رائحة رمضان إلى نفوسنا، وقفزت فوانيس عم توفيق متراقصة أمام عينيّ، فأخذت أحكي في انبهار عن الرجل الذي يشاهدونه في الطريق الوحيد الذي قد يقطعونه عدة مرات في اليوم الواحد، ولكنني كنت متأكدا أن ما أراه أروع مما يرون.

لمحت ارتباك يدي أبي وهو يقطع لقمة من رغيفه، بينما رمقتني أمي بنظرة أعرف معناها جيدا، فهي دائما تنبهني وأخي ألا نطلب شيئا من أبي قد لا تسمح له إمكانياته المحدودة أن يحققه لنا، فينقلب حزينا، وهو الذي يفيض علينا حنانا، فشغلت نفسي بتناول الطعام، وساد الصمت جلستنا حتى فرغنا من العشاء.

لم أكد أصدق عيناي حينما دخل علينا أبي في اليوم التالي حاملا فانوسين من صنع عم توفيق، ودستة من الشمع، وقبل أن تلمسهما أيدينا، اشترط علينا ألا نشعل شمعتيهما إلا في سحور الليلة الأولى من رمضان، كان أبي فرحا متهللا، فقد منحهم صاحب العمل منحة بمناسبة قرب قدوم شهر رمضان، لم يفعلها الرجل طوال السنين الفائتة، ولكنه فعلها هذا العام.

مرت الأيام زاحفة متباطئة، حتى وافتنا الليلة الموعودة، فأعددنا كل شيء انتظارا للحظة الكبرى، أمي وضعت الطبلية في مكانها المعتاد فسارعت أنا وأخي ووضعنا فانوسينا في وسطها وأخذنا في ترتيب الأطباق حولهما فبدت الطبلية كقاعة الأفراح وقد التفت الأطباق كالمحتفلين حول العروسين الذين وزعا أضواء البهجة على الطعام، ورغم أن الأطباق كانت تعج بالفول المدمس والجبنة البيضاء، إلا إننا كنا نراها وليمة كتلك التي يجتمع حولها الأغنياء.

لم تكف أمي عن الكلام والضحك وهي تستكمل وضع أكواب الماء البارد والخبز على الطبلية، حلمت باللحظة التي يفتح أبي فيها عينيه على ما أسعدنا به، أعرفه جيدا، سيطير من الفرحة.

دخلت أمي لتوقظ أبي للسحور والصلاة، اخترق صراخها سكون السحر، هرعنا إليها، أفزعنا انكفاؤها منتحبة على صدره، صرخنا نناديه، لم يجب، لقد ذهب فانوس البيت، فأظلمت كل الفوانيس، حتى تلك التي صنعها عم توفيق.

Comments